قراءة في مواثيق حقوق الإنسان

Facebook Share

النبأ

علي الشمري

للإنسان حقوق ليس لأحدٍ أن ينتهكها أو يصادرها لأي سبب من الأسباب، وعندما ارتكبت الجريمة الأولى في الوجود بمقتل هابيل على يد شقيقه قابيل، كان ذلك الفعل أول انتهاك لحق الحياة الإنسانية، وقد تلقى قابيل العقاب المناسب في ذلك الوقت المبكر من عمر البشرية، بحلول اللعنة عليه، ولقد كان هذا الحق أرضية لجملة حقوق إنسانية أخرى يحصل عليها الإنسان إذا أحرز حقه في الحياة كحق التنقل والارتحال بحثاً عما يقيم الأود ويرد الجوع، وحق التزاوج والتكاثر وتكوين الجماعات والأسر.

وتطورت هذه الحقوق مع تطور الإنسان على مدى الدهور والأزمان، وارتقت مع رقيه في شكل عهود ومواثيق وإعلانات، عندما ازداد انتهاكها وبات محتماً أن يلتزم بها المجتمع الدولي.

وعرفت الحضارات القديمة (الحقوق الطبيعية للإنسان) وراجت في الحضارة اليونانية فلسفة (الرواقيين) التي قالت بوجود قوة فاعلة تظلل الوجود كله، وتحتم أن يكون سلوك البشر محكوماً بالقوانين الطبيعية ومنسجماً معها.

الديانات وحقوق الإنسان

النقلة الكبرى في مجال حقوق الإنسان ظهرت مع ظهور الديانات وبالذات الثلاث الكبرى؛ فهي وإن كانت قد خلت من المصطلح المعاصر (حقوق الإنسان)، إلا أنها حفلت بمبادئ وقيم وأوامر ونواهي تنظم حياة البشر، وتحفظ لهم حقوقهم في كافة النواحي.

فقد أكدت الديانات على عالمية الإنسان انطلاقاً من الأصل الواحد بالرغم من التفرع شعوباً وقبائل وأجناساً بألوان مختلفة وسمات متباينة وخصال متعددة، وترتب على تلك العالمية مميزات خاصة ميزت الإنسان عن غيره من المخلوقات، فصار له حق التملك ولم يعد لأحد الحق في الاعتداء على تلك الملكية، ما دامت تقوم بوظيفتها الاجتماعية في المجتمع، وأصبح للإنسان حق العمل والتمتع بنتائج عمله أو السعي من أجل ظروف معيشية أفضل وعائد أكثر.

وكفلت الديانات للإنسان حقوقاً أساسية، تضمنها ميثاق حقوق الإنسان (الحديث) فيما بعد، منها حرية العقيدة وحرية الفكر والتعبير والأمن في الأبدان والأعراض، وحرية اختيار الزوجة للزوج والزوج للزوجة، وتكوين الأسر، كما وفرت الديانات للإنسان حقوقاً أخرى منها حق المساواة والرعاية في حالات العجز أو المرض، والمعاملة الكريمة، والتراحم، وحق براءة المتهم إلى أن تثبت إدانته، وغير ذلك من الحقوق، وتحتل العدالة مساحة واسعة من اهتمامات الأديان، إضافة إلى المساواة بين الجنسين، والتشاور بين الحكام والمحكومين، وحماية الأوطان من الفوضى، ووأد نوازع الطغيان في مهدها.

حقوق الإنسان في دستور الإسلام

الإسلام يقرّ بأن من العدل تأتي الحقوق، وتضمن سائر المقررات والحريات المشرعة لبني الإنسان، وإذا ما اغتصبت حقوق الإنسان الطبيعية وصودرت حرياته، فإن ذلك يعني تفشي الظلم والطغيان، وما يترتب على ذلك، من اضطهاد ومعاناة لأبناء الشعوب والأمم، سواء من المسلمين أو غيرهم، وكل ذلك يعني الإخلال بالسلوك والنظام الإنساني وتغييب العدل.

إن جميع الحقوق تستقى من حرية الإنسان، وتصبح مضمونة بتنفيذ الواجبات والتكاليف في الاجتماع والسياسة، والمجتمع السليم والسعيد هو الذي تكون فيه الحريات والحقوق مكفولة.

لقد دعا الإسلام منذ بزوغ فجره إلى صيانة حقوق الإنسان ورفع شعارها في جميع المجالات، كما انه دعا إلى حرية التفكير، ولم يلغ الطاقات العقلية التي وهبها الله للإنسان، فهو يقر إقراراً صريحاً وواضحاً بحرية الفكر وانطلاق النفس من كل خرافة ووهم، ودعا بقوة إلى نبذ ما كان عليه السلف الجاهلي من ضلالات وتقاليد وهيمنة جائرة وسياسات ذات نزعة تسلطية، فهو قرر العبودية لله وحده، وهي التحرر الواقعي من الخضوع للغير؛ حيث أن الآية القرآنية المباركة تقول: (إياك نعبد وإياك نستعين) (1).

لقد سن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) قاعدة مشروعة للسياسة السلبية، يمكن من خلالها التعبير عن الرفض والاحتجاج على كل ما من شأنه أن يمثل مصادرة لحقوق الإنسان أو إهانة لكرامته أو استعباده وظلمه، وهذه السياسة هي ما يسمونه باللغة السياسية الحديثة (العصيان المدني) أو (الاعتراض السلمي) (2)، أي بمعنى سياسة عدم التعاون مع حكومة أو دولة لا تحترم الحقوق أو تسيء التصرف فيها، فتعبث بحرمة قانونية المعاهدات والمواثيق، أو تتحدى قدسية الدساتير وحقوق الأمة (أفراداً، جماعات، شعوباً)، والى غير ذلك من وسائل الظلم وذرائع الباطل التي تتوسل بها الحكومات الدكتاتورية.

يقول النبي الأكرم (ص): (لعمل الإمام العادل في رعيته يوماً واحداً أفضل من عبادة العابد في أهله مائة عام أو خمسين عاماً) (3).

ويقول الإمام الصادق (ع) : (عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة، قيام ليلها وصيام نهارها) (4).

حقوق الإنسان في العصور الوسطى

توثقت العلاقة بين الحقوق الطبيعية للإنسان والنظريات السياسية الليبرالية خلال العصور الوسطى، وإن كانت بقيت في إطار تعريف الإنسان بواجباته كشيء منفصل عن حقوقه، واعترفت نظريات تلك الفترة بمشروعية الرق، والتي تتناقض تماماً مع جوهر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته معظم دول العالم بعد سبعة قرون ونصف، ومع مبادئ المساواة والإخاء والعدل التي نادت بها الديانات السماوية.

ومع بزوغ الخيوط الأولى للنهضة الفكرية في أواخر العصور الوسطى، وتفجر الثورات في بلدان عديدة من القارة الأوروبية، وتحرر تفكير الإنسان من سطوة الكنيسة المسيحية، ودخوله مجال البحث العلمي، وظهور العديد من الاكتشافات والاختراعات، بدأت حركة واسعة تستهدف تحرير الشعوب من طغيان الحكام واستبداد الدول، وهذا ما ترجمته سلسلة الثورات والانتفاضات الشعبية العارمة التي شهدتها دول أوروبية كإيطاليا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها..

مواثيق عصر النهضة

مع بداية عصر النهضة في القرن الثالث عشر الميلادي، صدرت في إنكلترا الوثيقة الكبرى (الماجنا كارتا) في عام 1215، على أثر ثورة عارمة معادية لطغيان الملك، ونصت (الماجنا كارتا) على ضرورة مراعاة الملك لحقوق الرعية أفراداً وجماعات، وحمايتهم من الظلم، وضمان محاكمة الناس على أيدي محلفين، وعدم سجن أي شخص أو القبض عليه بغير سند قانوني(5).

ودعا (توما الأكويني) (1225-1274) الذي ظهر كرجل دين في الدومينيكان، إلى التأكيد على فكرة الوظيفة الاجتماعية للملكية الخاصة، بمعنى التزام المالك بأن ينفع بملكيته مجتمعه الذي ينتمي إليه، وارتأى الأكويني، أن الإنسان مخلوق اجتماعي وسياسي في آن واحد معاً، وأن أهداف الحكومة (أي حكومة) هو تأمين الخير العام(6).

أما عريضة الحقوق التي أرسلها البرلمان الإنكليزي إلى الملك (شارل الأول) في عام 1628، والقانون الإنكليزي للحقوق 1689 بشأن حقوق الانسان، فقد تضمن كل منهما خطوات أخرى باتجاه مزيد من التبلور ومزيد من الضمانات، فقد أكدت الوثيقتان عدم جواز القبض على إنسان أو سجنه من غير سند قانوني، وعدم جواز فرض الأحكام العرفية في زمن السلم، وعدم جواز فرض ضرائب إلا بموافقة البرلمان(7).

وتعتبر مساهمات (جون لوك) و(فولتير) و(مونتسكيو) و(روز) بارزة في مجال تمهيد الطريق أمام الاعتراف بحقوق الإنسان، فقد قال الفيلسوف الإنكليزي (جون لوك) (1632-1704): (إن الإنسان كائن عقلاني، وإن الحرية لا تنفصل عن السعادة) (8)، وأكد أن غاية السياسة هي البحث عن السعادة التي تكمن في السلام والانسجام والأمان، وهي رهن بتوفير ضمانات سياسية.

وقال (لوك): (إن الحرية والمساواة الطبيعية منظمة بواسطة العقل الفطري، ومتضمنه في قانون الطبيعة نفسه الذي يمنع أي فرد من إلحاق الضرر بالآخرين) (9)، وشدد على أن البشر ولدوا أحرارا ومتساوين وأن لهم الحق في رفض الحكومة المطلقة وتجريدها من الشرعية، أما (فرانسوا فولتير) (1694-1778) فقد كان من أشد أنصار حرية الفكر، وهو صاحب المقولة الشهيرة التي تتردد في أوساط المثقفين حتى اليوم: (قد اختلف معك في الرأي، ولكني على استعداد لأن أدفع حياتي ثمناً لحقك في الدفاع عن رأيك) (10)10، وبالفعل دفع فولتير نفسه ثمناً غالياً للدفاع عن أفكاره عندما اضطهدته الكنيسة وسجن وعذب.

القانون الطبيعي

كانت كل الأفكار التي عبر عنها المفكرون ورجال القانون السابق ذكرهم وغيرهم من المفكرين تركز كثيراً على فكرة العدالة كمعيار أساسي للحكم على صلاحية التشريعات الوضعية، وقد ذهب معظم المفكرين والفلاسفة إلى اعتبار القانون الطبيعي مصدراً أساسياً للحقوق الثابتة للأفراد، ووصفه بعضهم بأنه جزء من القانون الإلهي، ولكن القانوني الهولندي (هوغو غروشيوس) (1583-1645) قام بعملية فصل بين القانون الطبيعي والقانون الإلهي، وجعل الأول مصدراً أساسياً للقوانين الدنيوية، التي ارتأى أنها تقوم على المنطق والعقلانية، وانتهى (غروشيوس) إلى أن كل ما يتفق مع طبيعة الأمور فهو شرعي عادل، وكل ما يخالفها غير شرعي وغير عادل.

وعرف القانون الطبيعي بأنه: (مجموعة القواعد القانونية الآمرة التي يفرضها المنطق السليم، والتي تجد أساسها في الأخلاق أو الضرورات الأخلاقية) (11)، وهكذا مهد غروشيوس الأرضية لمن جاء بعده من المفكرين وفقهاء القانون والفلاسفة للنظر إلى حقوق الإنسان وشرعيتها باعتبارها حقوقاً طبيعية.

وقد استخدمت الدول الغربية مبادئ تلك النظرية للتدخل ضد الدولة العثمانية في عام 1827 في اليونان، وفي عام 1876، في بلغاريا، وكان ذلك مؤشراً لاعتماد الدولة لحقوق الإنسان، بمفهوم ذلك الوقت سنداً للنضال ضد الاستبداد السياسي.

وقد علق أحد دعاة حقوق الإنسان وهو (موريس كرانستون) على ذلك قائلاً: (فجر الاستبداد في الإنسان الدعوة لحقوقه، التي أنكرت عليه سواء أكانت طبيعية أم إنسانية) (12).

دور الانتفاضات وحركات التحرر

أسهمت حركات التحرر بدور فعال في تطوير حقوق الإنسان من خلال المطالبة بتثبيت حقوق الإنسان وحرياته في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، ولعل أهم ما حققته الثورات والانتفاضات الخيرة في مدى تاريخ الإنسانية، إنما هو إعلان حقوق الإنسان، اعترافاً منها وتقديساً لواجب صيانتها وبذل الأرواح والجهود في سبيل الدفاع عنها وإذاعتها.

فقد ورد في مقدمة وثيقة إعلان استقلال الولايات المتحدة 1776: (إن من الحقائق البديهية أن جميع الناس خلقوا متساوين، وقد وهبهم الله حقوقاً معينة لا تنتزع منهم، ومن هذه الحقوق حقهم في الحياة والحرية والسعي لبلوغ السعادة، وكلما سارت أية حكومة من الحكومات هادمة لهذه الغايات، فمن حق الشعب أن يغيرها أو يلزمها، وأن ينشئ حكومة جديدة، ترسي أسس تلك المبادئ، وأن تنظم سلطاتها على الشكل الذي يبدو للشعب أنه أوفى من سواه لضمان أمنه وسعادته) (13).

وفي السادس والعشرين من آب 1789 نشرت الجمعية التأسيسية المنبثقة أبان الثورة الفرنسية (إعلان حقوق الإنسان والمواطن) الذي جاء نتاجاً لتلك الثورة التي اقترنت كلمتا الحرية والمساواة بها، كما عززت عام 1793 كلمات الدستور، القانون، حقوق الإنسان، المواطن، وغيرها من الكلمات التي أسهمت في التمسك بالثورة والدفاع عنها.

ويتألف الإعلان من مقدمة وسبع عشرة مادة، تضمنت مبادئ في الحقوق والحريات التي أوردتها ونصت عليها الإعلانات والمواثيق الدولية التي تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان، ومما جاء في مقدمة الإعلان: (إن ممثلي شعب فرنسا مشكلين في هيئة جمعية وطنية قد رأوا أن الجهل والإهمال واحتقار حقوق الإنسان هي الأسباب الوحيدة للمصائب العامة ولفساد الحكومات.. وقد قرروا أن يطرحوا في الإعلان هذه الحقوق الطبيعية الثابتة التي لا يجوز الانتقاص منها) (14).

أما ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا عام 1917 فقد اهتمت بتضمين دستور جمهوريات روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفييتية لعام 1918 الحقوق الديمقراطية والحريات والواجبات للمواطنين (الكادحين)، والمساواة الكاملة في الحقوق المدنية والسياسية للكادحين الأجانب الذين يمارسون العمل الإنتاجي على أراضي الجمهورية من مواطني روسيا.

مرحلة ما قبل الإعلان العالمي

النصف الأول من القرن المنصرم (1900-1950)، والذي شهد حربين عالميتين مدمرتين، حفل بسلسلة طويلة وفظيعة من الانتهاكات الصارخة لقيم الحياة الإنسانية، وحقوق الإنسان على مختلف الأصعدة والمستويات، أفراداً وجماعات وشعوباً، فقد بدأت الحكومات الدكتاتورية والنازية بانتهاك كافة حقوق الإنسان، ومارست على نطاق واسع أعمال القتل والترحيل الإجباري للأقليات، وشاعت أعمال البحث والتفتيش على الناس وإلقاء القبض عليهم وتعذيبهم وإعدامهم بدون محاكمات، كما قامت تلك الحكومات بقمع حرية الفكر واضطهاد أصحاب العقائد والنظريات المخالفة لمناهجها وسياساتها الاستبدادية القمعية.

ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، واندحار القوى النازية وحلفائها من الفاشيين والمستبدين، اهتمت الدول على المستويات الرسمية بحقوق الإنسان، وكان تأسيس هيئة الأمم المتحدة في 24 تشرين أول (أكتوبر) 1945 بمثابة انتصار للدعوة المطالبة بالسلام والعدل والحرية لجميع الأمم والدول والشعوب ولحقوق الإنسان في كل مكان.

وقد جاء في ديباجة الأمم المتحدة: (أن الدول الأعضاء تؤكد من جديد إيمانها بالحقوق الإنسانية وبكرامة الفرد، وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية).

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

يمثل هذا الإعلان أول وثيقة دولية خصصت بالكامل للحديث عن حقوق الإنسان جملة وتفصيلا، وهو ثمرة مسيرة طويلة من العمل الدولي الجاد نحو بلورة حقوق الإنسان وصياغتها وإعلانها لتنبيه جميع الدول والحكومات والمنظمات بها وضمان احترامها لها.

في كانون الثاني/يناير 1946، ناقشت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع الإعلان الخاص بالحقوق والحريات الأساسية للانسان، ومن ثم حولته الجمعية إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي لمتابعته.

وفي أوائل العام ذاته أحال المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة المشروع إلى اللجنة الخاصة بحقوق الإنسان، ومن ثم أعادته إليه عند إعدادها الصياغة النهائية للوثيقة الدولية للحقوق وبالفعل قامت اللجنة بتفويض المسؤولين فيها مهمة صياغة (المسودة الأولية) للوثيقة، وفيما بعد أتمت صياغتها الرسمية النهائية.

في 10 كانون أول/ديسمبر 1948م، صدرت الوثيقة رسمياً تحت اسم (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) باعتبارها تحتوي على الحد الأدنى المشترك الذي يجب أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم لتوطيد احترام حقوق الإنسان الأساسية وحرياته عن طريق التعليم والتربية واتخاذ الإجراءات المطورة قومياً وعالمياً لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بصورة فعالة بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وشعوب الأراضي الخاضعة لسلطاتها.

يتألف الإعلان من 30 مادة، تتصدرها ديباجة (مقدمة) تستعرض الدوافع والغايات الموجبة لصدور هذا الإعلان وإقراره، ومما جاء فيها: (إن الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم، ولما كان للإدراك العام لهذه الحقوق والحريات الأهمية الكبرى للوفاء التام بهذا التعهد، فإن الجمعية العامة تنادي بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)(15).

وأبرز ما جاء في أهم مواد الإعلان الآتي:

- يولد الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق... -من المادة الأولى-.

- لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء.. (من المادة 2).

- لا يعرض أي إنسان للتعذيب و لا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة.

- لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً (المادة 9).

-لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلاد أخرى أو يحاول الالتجاء إليها هرباً من الاضطهاد (من المادة 14).

- لكل شخص الحق في حرية التفكير والتعبير والدين، ويشمل هذا الحق تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنها بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة (من المادة 18).

وبالنسبة للمواد من 4 إلى 21 فإنها تتضمن الحقوق المدنية و السياسية المعترف بها للإنسان، كالتحرر من الاسترقاق والاستعباد، وعدم التعرض للتعذيب أو العقوبات وإنصافه قضائياً، وعدم جواز تعرضه للقبض التعسفي أو الحجز أو النفي، وحقه في أن يتم النظر في قضاياه أمام محكمة مستقلة واعتباره بريئاً إلى أن تثبت إدانته.

وقضت المواد بحق الشخص في عدم التعرض للتدخل التعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو حقه في حرية التنقل واللجوء والتمتع بجنسية ما والتزوج وتأسيس أسرة، وحقه في الملكية الخاصة منفرداً، أو مع آخرين، وحرية التفكير والدين والرأي والتعبير والاشتراك في الجمعيات أو الجماعات السلمية وفي إدارة الشؤون العامة لبلاده.

وتنص المواد 28-29-30 على حق كل إنسان في التمتع بنظام اجتماعي تتحقق بمقتضاه جميع الحقوق والحريات الأساسية للإنسان كاملة.

وينتهي الإعلان بالمادة الثلاثين التي تقول إنه لا يوجد ما يخول دولة أو جماعة أو فرد الحق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة في الوثيقة.

الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان

بعد عشر سنوات من المناقشات والإعداد، بدءاً من العام 1979، توصلت مجموعة دول منظمة المؤتمر الإسلامي، خلال اجتماع قمة طهران في كانون أول (ديسمبر) 1989، إلى بلورة الصيغة النهائية لما عرف بـ(الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان)، والذي تمت المصادقة عليه رسمياً في المؤتمر التاسع عشر لوزراء خارجية الدول الإسلامية الذي عقد في العاصمة المصرية القاهرة، ومما جاء في ديباجة الإعلان:

(إيماناً بأن الحقوق الأساسية والحريات العامة في الإسلام جزء من دين المسلمين، لا يملك أحد بشكل مبدئي تعطيلها كلياً أو جزئياً، أو خرقها أو تجاهلها؛ فهي أحكام إلهية تكليفية أنزل الله بها كتبه، وبعث بها خاتم رسله، وتم بها ما جاءت به الرسالات السماوية، وأصبحت رعايتها عبادة، وإهمالها أو العدول عنها منكراً في الدين، وكل إنسان مسؤول عنها بمفرده، والأمة مسؤولة بالتضامن.. إن الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي تأسيساً على ذلك تعلن.. (نصوص مواد إعلانها الخاص بحقوق الإنسان) ) (16).

يتضمن الإعلان 25 مادة أساسية، وأبرز ما جاء في نصوص أهم تلك المواد الآتي:

- البشر جميعاً أسرة واحدة جمعت بينهم العبودية لله والبنوة لآدم.. والناس متساوون في أصل الكرامة الإنسانية وفي أصل التكليف والمسؤولية (من المادة الأولى).

- يحرم اللجوء إلى وسائل تقضي بفناء الينبوع البشري (من المادة الثانية).

- لكل إنسان حرمته والحفاظ على سمعته في حياته وبعد موته، وعلى الدولة والمجتمع حمايته (من المادة الرابعة).

- لما كان على الإنسان أن يتبع الإسلام دين الفطرة، فإنه لا يجوز ممارسة أي لون من الإكراه عليه، كما لا يجوز استغلال فقره أو ضعفه أو جهله لتغيير دينه إلى دين آخر أو إلى الإلحاد (من المادة 10).

- يولد الإنسان حراً وليس لأحد أن يستعبده أو يذله أو يقهره أو يستغله، ولا عبودية لغير الله (من المادة 11).

- تحرم مصادرة الأموال وحجزها إلا بمقتضى شرعي (من المادة 15).

- لكل إنسان الحق في أن يعيش آمناً على نفسه ودينه وأهله وعرضه وماله (من المادة 18).

- الناس سواسية أمام الشرع يستوي في ذلك الحاكم والمحكوم، وحق اللجوء إلى القضاء مكفول للجميع ولا جريمة ولا عقوبة إلا بموجب أحكام الشريعة، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته بمحاكمة عادلة تؤمّن له فيها كل الضمانات الكفيلة بالدفاع عنه (المادة 19).

-لا يجوز القبض على إنسان أو تقييد حريته أو نفيه أو عقابه بغير موجب شرعي، ولا يجوز تعريضه للتعذيب البدني أو النفسي أو لأي نوع من المعاملات المذلة أو القاسية أو المنافية للكرامة الإنسانية، و.. (من المادة20).

- أخذ الإنسان رهينة محرم بأي شكل من الأشكال ولأي هدف من الأهداف (المادة 21).

- لكل إنسان الحق في التعبير بحرية عن رأيه بشكل لا يتعارض مع المبادئ الشرعية ولكل إنسان الحق في الدعوة إلى الخير والنهي عن المنكر ولا تجوز إثارة الكراهية القومية والمذهبية وكل ما يؤدي إلى التحريض على التمييز العنصري بأشكاله المختلفة (من المادة 22).

- الشريعة الإسلامية هي المرجع الوحيد لتفسير أو توضيح أي مادة من مواد الإعلان (من المادة 25).

جدول المقارنة

ت

الحقوق

الإسلامي

العالمي

1

المساواة في أصل الكرامة الإنسانية

م1 ف أ

م1

2

حق الفضل والكرامة المكتسب عبر العمل التكاملي والعقائدي

م1 ف أ

و ف ب

غير موجود متضمن في المواد

3

حق المساواة في التمتع بالحقوق أمام الشرع والقانون نفي التمييز بكل أنواعه

متضمن في المواد

 

4

حق الحياة

وحرمة الإجهاض

وإغلاق الينبوع البشري

م2

م2

ف ب

م3 م8

م7 م10

غير موجود

5

حق حرمة الجنازة الإنسانية وبدن المتوفى

م2 ف6

غير موجود

6

حق الحفاظ على الأفراد البريئين كالشيخ والمرأة والطفل أثناء النزاعات، ومداواة الجريح والحفاظ على الأسرى وحرمة التمثيل بالقتلى

م3

غير موجود

ذكر في مواثيق تلت هذا الإعلان كمعاهدة جنيف

7

حق الإنسانية في عدم إتلاف الزرع وتخريب المباني المدنية أثناء النزاعات

م3 ف ب

غير موجود

8

حق السمعة والكرامة قبل وبعد الموت

م2 ف د

م22

9

حق تشكيل الأسرة بحرية ودونما تمييز

م5 ف أ

م16

10

حقوق المرأة ومساواتها للرجل في الكرامة ولها شخصيتها المدنية وذمتها المالية

م6 ومواد أخرى

مواد مختلفة م16

11

حق الأسرة الإنسانية في الحصول على الإنفاق من قبل الرجل

م6

غير موجود بهذا النحو

12

حق الطفل في الرعاية المادية والأدبية

م7

ف أ

م25

ف ب

13

حق الجنين والأم

م7

ف أ

م25

دون ذكر الجنين

14

حق الآباء ومن بحكمهم في اختيار نوع التربية

م7

ف ب

م26

ف ج

15

حق الأبوين والأقارب على الأبناء وحقوق ذوي القربى

م7

ف ج

غير موجود

16

حق الجنسية

غير موجود

م15

17

حق التمتع بالأهلية الشرعية والقانونية من حيث الإلزام والالتزام

م8

في مواد متفرقة

18

حق الفرد في التعليم في سبيل التكامل

م9

ف أ

م26

19

حق الفرد في التربية الدينية والدنيوية

م9

ف ب

م29

بمستوى أدنى

20

حق الإنسان في اتباع دين الفطرة

م10

غير موجود

21

حق الحرية

م11

ف أ

م4 لا يوجد بهذا الشكل

22

حق التحرر من قيود الاستعمار والاستقلال عنه

م11

ف أ

لا يوجد بهذا الشكل

23

حق الفرد في حرية التنقل وحرية اللجوء

م12

م13

م14

24

حق العمل واختيار نوعه وسلامته بكل حرية

م13

م23

م24

م25

25

حق الكسب المشروع ومنع الربا

م14

لا يوجد بهذا الشكل

26

حق التملك وعدم جواز نزع الملكية وتحريم المصادرة

م15

م17

27

حق الانتفاع بالإنتاج العلمي والأدبي

م16

م27

28

حق الفرد في توفير بيئة أخلاقية نظيفة

م17

ف أ

م29

بمعنى أدنى

29

في الرعاية الصحية والاجتماعية

م17

ف ب

م25

30

حق الفرد في كفالة العيش الكريم بشتى مجالاته

م17

ف ج

م25

31

حق الأمن الشخصي والديني والعائلي والعرضي والمالي

م18

ف أ

م3

م12

م22

32

حق الاستقلال الشخصي في المسكن والأسرة والمال والاتصالات

م18

ف ب

م12

33

حق حرمة المسكن

م18

ف ج

م12

34

حق اللجوء إلى القضاء

م19 ف ب

م8

م10

35

حق التمتع بقاعدة أصالة البراءة من الجريمة

م19

ف هـ

م11

36

حق الحرية في التصرفات والسلوك العام ومنع تقييدها ومنع التعذيب ومنع أي عمل يهين الشخصية الإنسانية مطلقاً ومنع أخذ إنسان كرهينة

م20

م21

م5

م9

م11

م14

37

حق حرية التعبير عن الرأي

م22

ف أ

م18

م19

م27

38

حق الدعوة إلى الخير والنهي عن المنكر

م22

ف ب

غير موجود

39

حق الفرد في حماية مقدساته من الإهانة ومنع الإخلال بالقيم وعدم إثارة الكراهية

م22

غير موجود

40

حق الفرد في الاشتراك في صياغة القرار الإداري والسياسي وتقلد الوظائف

م23

م21 ف أ

ف ب

ف ج

41

حق حرية الأمن وعدم القلق نتيجة العقيدة

م10 (مع تفصيل)

م18

م28

42

حق الأمن وعدم القلق نتيجة العقيدة وبيانها

م10 (مع تفصيل)

م19

43

حق تشكيل الجماعات والجمعيات المسالمة

م23

م20

44

حق الانخراط في التشكيلات النقابية والاتحادية

بالعموم

م23

م23

ف د

45

حق الاستراحة والتمتع بالإجازة

م13

م24

 

كتاب (حقوق الإنسان بين الإعلانين الإسلامي والعالمي)

من يحمي حقوق الإنسان

لقد تشكلت عشرات الهيئات واللجان والمنظمات الدولية والإقليمية والوطنية التي تسهر على رعاية حقوق الإنسان ورصد انتهاكاتها، وتنبيه مرتكبي الانتهاكات بغرض تعديل وتصحيح مواقفهم.

وهيئة الأمم المتحدة تقف على رأس جميع كل تلك المنظمات واللجان في هذا المجال، كما تلعب منظمة العمل الدولية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) دوراً لا يستهان به في هذا المجال.

وبعد إعلان الميثاق العالمي لحقوق الإنسان تشكلت ست لجان دولية هي:

1- اللجنة الخاصة بحقوق الإنسان.

2- اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

3- لجنة مناهضة التعذيب.

4- لجنة مكافحة التمييز العنصري.

5- لجنة مكافحة التمييز ضد المرأة.

6- اللجنة المعنية الخاصة بحقوق الطفل.

هذا بالإضافة إلى فرق العمل والمقررين الخاصين الذين يتم تشكيلهم في مناسبة محددة تستلزم ذلك، وهناك منظمات غير حكومية أخرى تعمل على مراقبة حقوق الإنسان وضمان احترامها على مختلف الأصعدة ومنها:

- منظمة العفو الدولية.

- منظمة حقوق الإنسان.

- لجنة المحامين لحقوق الإنسان.

- المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب.

- مركز بحوث التعذيب وإعادة تأهيل ضحاياه.

- منظمة أطباء بلا حدود.

- منظمة الصليب الأحمر الدولي.

- منظمة الهلال الأحمر الدولي.

هذا بالإضافة إلى منظمات إقليمية أخرى تسعى لنفس الأهداف.

المصادر:

(1) حقوق الإنسان بين الإعلانين الإسلامي والعالمي: محمد علي التسخيري، 1995 - إيران.

(2) حقوق الإنسان: مركز المعلومات والأبحاث - وكالة الأنباء الكويتية، 1993 - الكويت.

(3) مجلة صوت الإنسان: الجمعية العراقية لحقوق الإنسان، العدد13 كانون الأول 1998م.

الهوامش:

(1) سورة الحمد: الآية 5.

(2) حقوق الإنسان: مركز المعلومات والأبحاث - وكالة الأنباء الكويتية.

(3) الأموال: أبي العبيد، ص68.

(4) جامع السعادات: ج2/ ص219.

(5) (6) (7) (8) (9) (10) حقوق الإنسان: مركز المعلومات والأبحاث -وكالة الأنباء الكويتية، ص21-22.

(11) (12) المصدر السابق: ص23.

(13) (14) مجلة صوت الإنسان: الجمعية العراقية لحقوق الإنسان في سوريا، العدد 13/ كانون أول 1998، ص5.

(15) أصل وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

(16) حقوق الإنسان بين الإعلان الإسلامي والعالمي: الشيخ محمد علي التسخيري، ص39-47.

 

تعليقات

لا يوجد نتائج مطابقة


تعليقك هنا

* تعليقك
* كود التحقق
 
 

عدد الزوار

1709216

تصويت

ما مدى جودة الخدمات المقدمة من الموقع؟‏
ممتاز
 
 
جيد
 
 
ضعيف
 
 

القائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية ليصلك آخر أخبار الموقع


اتبعنا