الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم العدوان انتهاك...

Facebook Share

الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم العدوان انتهاك لميثاق الامم المتحدة والقانون الانساني الدولي

نادية حسن عبدالله

تشمل المسئولية الجنائية بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مرتكبي الجرائم كل من أعطى أمرًا أو أغرى أو حرض أو ساعد أو قدم العون أو ساهم في ارتكاب الجرائم الدولية . وقد تم تحديد المخالفات الجسيمة في الاتفاقيات الأربعة بجرائم الحرب، كالقتل العمد، والتعذيب، أو المعاملة اللاإنسانية، وتعمد إحداث معاناة شديدة، أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة.

فليس للمنصب الرسمي وما يواكبه من حصانة للقادة والمسئولين أي اعتبار في إثارة المسئولية الجنائية الفردية سواءً كان مرتكب الجريمة الدولية رئيسًا أو قائدًا أو مسئولاً حكوميًا أو جنديًا في القوات المسلحة أو مواطنًا عاديًا.

******************


تأسست المحكمة الجنائية الدولية عام 2002، كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجرائم الاعتداء. و والمحكمة الجنائية الدولية منظمة دولية دائمة، تسعى إلى وضع حد للثقافة العالمية المتمثلة في الإفلات من العقوبة – وهي ثقافة قد يكون فيها تقديم شخص ما إلى العدالة لقتله شخصا واحدا أسهل من تقديمه لها لقتله مئه ألف شخص مثلاً - فالمحكمة الجنائية الدولية هي أول هيئة قضائية دولية تحظى بولاية عالمية، وبزمن غير محدد، لمحاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي الفضائع بحق الإنسانية وجرائم إبادة الجنس البشري.

يقع المقر الرئيس للمحكمة في هولندة، لكنها قادرة على تنفيذ إجراءاتها في أي مكان. وقد يخلط البعض ما بين المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية والتي تدعى اختصاراً في بعض الأحيان المحكمة الدولية (وهي ذراع تابع للأمم المتحدة يهدف لحل النزاعات بين الدول)، لذلك لابد من التنويه إلى أنهما نظامان قضائيان منفصلان.
تتميز المحكمة الجنائية الدولية بطبيعة خاصة تميزها عن كافة المحاكم الدولية باعتبارها أول محكمة جنائية دولية دائمة ، وأيضًا لاقتصار اختصاصها على الأشخاص الطبيعيين ولتأكيدها على الأولوية القضائية للقضاء الوطني ، بحيث لا يثبت لها الولاية القضائية ابتداءً ، و إنما تكمل القضاء الوطني إذا لم تمارس الدولة ولايتها القضائية. بموجب الاختصاص الذي كفلته الاتفاقيات الدولية وخاصة اتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي الأول ، فلم يترك النظام الأساسى للمحكمة الحق في فرض الولاية القضائية الشاملة، وإنما قيدها فيما يتعلق بأشد الجرائم خطورة التي يعتبر ارتكابها مساسًا بالمجتمع الدولي بأسره.

وقد قصر النظام الأساسي للمحكمة الجنائية اختصاصها فيما يتعلق بالأشخاص الطبيعيين وليس الدول انطلاقًا من السوابق التاريخية التي أقرتها معاهدة فرساي، فالفرد الإنساني هو وحده المسئول جنائيًا وليس الدول باعتبارها شخصًا معنويا ليس من المتصور أن تقوم في حقها المسئولية الجنائية ، فعقاب الدولة فيه مساس خطير بالأبرياء ممن ليس لهم ذنب في ارتكاب الجرائم الدولية ، وقد يؤدي لاستمرار مجرمي الحرب في ارتكاب جرائمهم ، وقد يفتح المجال لعمليات ثأر وانتقام جديدة ويؤدي لتخريب وتدمير للبنية التحتية للدول ومقومات الحياة الاقتصادية والسياسية.

ولكن إقرار مبدأ المسئولية الجنائية الفردية فيه تأكيد لأهم أهداف المحكمة الجنائية بضمان الالتزام الدائم لتحقيق العدالة الدولية، بإثارة المسئولية الشخصية لمقترفي الجرائم وملاحقتهم وعقابهم على ما ارتكبته أيديهم من جرائم في حق البشرية.

والأكثر أهمية إقرارالنظام الأساسي للمحكمة بعدم الاعتداد بالصفة الرسمية لمرتكب الجرائم الدولية سواء كان رئيساً لدولة أو حكومةً أو عضوًا في حكومة أو برلمان أو موظفًا حكوميًا ، وكذلك عدم اعتبار الحصانة مانعًا من إثارة المسئولية والمحاكمة .

ولضمان فاعلية المنظومة القضائية الجنائية للمحكمة الجنائية الدولية لم تكتف المحكمة بمسئولية الأفراد مرتكبي الجرائم أثناء الحروب والمعارك من الجنود والضباط في القوات المسلحة ، بل أقرت المسئولية الجنائية للقادة العسكريين الذين تخضع لسلطتهم الفعلية القوات التي تمارس الجرائم الدولية التي تدخل في اختصاص المحكمة ، وامتدت المسئولية الجنائية بموجب النظام الأساسي للمحكمة لتشمل إلى جانب مرتكبي الجرائم كل من أعطى أمرًا أو أغرى أو حرض أو ساعد أو قدم العون أو ساهم في ارتكاب الجرائم الدولية لتكتمل بذلك منظومة قضائية جنائية دولية دائمة ومتكاملة مختصة بالأفراد .

حدد النظام الأساسي الجرائم التي تدخل فى اختصاص المحكمة في المادة الخامسة ، بحيث يقتصر اختصاصها على أشد الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولي ، فيما يتعلق بجريمة الإبادة الجماعية ، والجرائم ضد الإنسانية ، وجرائم الحرب وجريمة العدوان.

تختص المحكمة الجنائية بجرائم الحرب كما وردت في نص المادة الثامنة من النظام الأساسي لا سيما عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق.
وأدرج النظام الأساسي العديد من الأفعال التي تعتبر من قبيل جرائم الحرب والتي تشكل توسيًعا كبيرًا لتعريف جرائم الحرب ، والتي سبق إدراجها ضمن اختصاص المحاكم الدولية السابقة ، والتي نصت عليها (م/6-ب) من النظام الأساسي لمحكمتي نورمبرج 1945 وطوكيو 1946 ونص عليها المبدأ السادس من مبادئ نورمبرج 1945، و(م/3) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا.

ويتمثل ذلك التوسيع في أنه يحتوي على التطور الحديث لفقه القضاء الدولي الذي يضفي الصفة الإجرامية على الجرائم المرتكبة أثناء النزاع المسلح غير الدولي. وقد قسم النظام الأساسي جرائم الحرب إلي ستة أقسام يتعلق قسمين منها بالمنازعات المسلحة الدولية ، ويتعلق ماتبقى بالمنازعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي ، ونص في كل قسم على بعض الأفعال التي اعتبر ارتكاب أيًا منها جريمة حرب تختص المحكمة الجنائية الدولية بمعاقبة مركبيها.

أدرج النظام الأساسي بعض الأفعال التي اعتبرتها المواد المشتركة الخاصة بالمخالفات الجسيمة في الاتفاقيات الأربعة من قبيل المخالفات الجسيمة التي وصفها البروتوكول الأول من قبيل جرائم الحرب ، كالقتل العمد ، والتعذيب ، أو المعاملة اللاإنسانية وتعمد إحداث معاناة شديدة ، أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة ، أو تدمير واسع النطاق للممتلكات والاستيلاء عليها دون ضرورة عسكرية ، أو إرغام أسير حرب على الخدمة في صفوف قوات دولية معادية ، أو تعمد حرمان أسير حرب من الحق في المحاكمة العادلة ، والإبعاد ، وأخذ الرهائن.

وأدرج النظام الأساسي بعض الأفعال التي يعتبر ارتكابها جرائم حرب ، والتي من أهمها تعمد توجيه هجمات ضد المدنيين والمواقع المدنية أو ضد الموظفين أو المنشآت الخاصة بمهام المساعدة الإنسانية وكذلك تعمد شن هجوم مع العلم بأنه سيسفر عن خسائر بشرية ومادية.

وامتدت المسئولية الجنائية بموجب النظام الأساسي للمحكمة لتشمل إلى جانب مرتكبي الجرائم كل من أعطى أمرًا أو أغرى أو حرض أو ساعد أو قدم العون أو ساهم في ارتكاب الجرائم الدولية لتكتمل بذلك منظومة قضائية جنائية دولية دائمة ومتكاملة مختصة بالأفراد .

اعتبرت المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف ارتكابها بعض الأفعال من قبيل الانتهاكات الجسيمة فيما يتعلق بالنزاع المسلح غير الدولي كاستعمال العنف ، والقتل ، والتعذيب ، والمعاملة المهينة ، وأخذ الرهائن ، والإعدام خارج نطاق القانون، وقد صنف البروتوكول الأول الانتهاكات الجسيمة من قبيل جرائم الحرب ، وهو نفس التصنيف الذي أورده النظام الأساسي في المادة الثامنة.

فليس للمنصب الرسمي وما يواكبه من حصانة للقادة والمسئولين أي اعتبار في إثارة المسئولية الجنائية الفردية سواءً كان مرتكب الجريمة الدولية رئيسًا أو قائدًا أو مسئولاً حكوميًا أو جنديًا في القوات المسلحة أو مواطنًا عاديًا.

ويعتبر الرئيس مسئولاً عن الأفعال غير المشروعة لمرءوسيه إذا ثبت أنه كان على علم بقصدهم أو باتجاه نيتهم لارتكابها ، وبإمكانه في حالة تدخله الحيلولة دون وقوع تلك الأفعال ، وهو ما أكده المبدأ الثالث من مبادئ نورمبرج التي صاغتها لجنة القانون الدولي في أعقاب محكمتي نورمبرج وطوكيو في العام 1950 والذي نص على "عدم إعفاء الشخص الذي ارتكب الفعل بناءً على أوامر من حكومته أو رئيسه الأعلى من المسئولية وفقًا للقانون الدولي بشرط وجود خيار معنوي كان متاحًا له " أي لم يكن مسلوب الإرادة بصورة تجعله مجبرًا على ارتكاب الجريمة.

وأحدث إقرار اتفاقيات جنيف لمبدأ المسئولية الجنائية للأفراد عن الانتهاكات الجسيمة لأحكامها نقلةً نوعيةً في اتجاه تجاوز الدولة بعض الشيء والاتجاه نحو الفرد المستفيد النهائي من القانون الدولي والتي صيغت بشكل يحول المصلحة الفردية إلى مصلحة دولية ، فالحقوق التي كفلتها اتفاقيات جنيف ليست مرتبة للدولة وإنما للفرد ، بحيث لا يستطيع التنازل عنها ، وكذلك نصت اتفاقية جنيف الرابعة على أنه " لا يجوز للأشخاص المحميين التنازل بأي حال من الأحوال جزئيًا أو كليًا عن الحقوق الممنوحة لهم بمقتضى هذه الاتفاقية ".

وقد جاءت معالجة اتفاقيات جنيف للحروب الداخلية أي حالات النزاع المسلح الذي ليس له طابع دولي في المادة الثالثة المشتركة تأكيدًا لمبدأ المسئولية الجنائية الفردية ، بحيث لا يعتبر أحد الأطراف المشتركة فيها دولة وإنما أفراد.

كذلك نصت اتفاقيات جنيف على تعهد الدول الأطراف باتخاذ أي إجراء تشريعي يلزم لفرض عقوبات جزائية فعالة على الأشخاص الذين يقترفون أو يأمرون باقتراف إحدى المخالفات الجسيمة، وتلتزم كذلك بملاحقة المتهمين باقتراف تلك المخالفات الجسيمة.

وقد جاء النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تتويجًا لنظام المسئولية الجنائية الفردية ، بحيث نصت المادة (25) على اقتصار اختصاص المحكمة على الأشخاص الطبيعيين في اتجاه معاكس لمحكمة العدل الدولية التي تختص بنظر المنازعات بين الدول حول انتهاك أحكام القانون الدولي لتحديد المسئولية ، والتي على أثرها يتم تقرير الجزاء القانوني بحق الدولة المنتهكة لقواعد القانون الدولي ، فمحكمة العدل الدولية هى الأداة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة ، والتي عهد إليها بتسوية النزاعات القضائية بين الدول دون أية صفة جنائية للأحكام الصادرة عنها والتي تقتصر –غالبًا-على التعويض ، بخلاف المحكمة الجنائية الدولية التي تختص بالأفراد فيما يتعلق بمسئوليتهم الشخصية عن الجرائم التي تدخل اختصاص المحكمة وتتسم منظومتها القضائية بصبغة جنائية.

هذا ملخص سريع عن دور المحكمة الجنائية الدولية، بهدف ان تعرف الشعوب العربية حقوقها في حال حصول أي انتهاكات لحقوق الإنسان، لذلك فإنهم ومن يُعِينَهم من المنظمات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وشعوب العالم الحر، يستطيعون رفع شكواهم ضد من يرتبك الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم العدوان للمحكمة الجنائية الدولية.

ان العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والإعلان العالمي لحماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية وكافة الإعلانات الدولية الخاصة حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية تؤكد على أهمية حماية الأشخاص من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم العدوان.

إن مكافحة الإفلات من العقاب قبل كل شيء ضرورة لتحقيق العدالة الدولية ومعاقبة كل من ثبت ارتكابه لجرائم ضد الإنسانية أو قام بخرق المواثيق الدولية وحقوق الإنسان سواء في حالة السلم أو الحرب، كما يعد ضرورة أساسية لضمان ملاحقة ومحاكمة مرتكبي الجرائم الأشد خطورة لدواعي سياسية أو عرقية أو دينية، وعرضهم على أنظار المحكمة الدولية الدائمة.


المراجع المستعملة
1. سامح خليل الوادية، طبيعة المسئولية الجنائية في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، 2007
2. النظام الأساسي لمحكمتي نورمبرج 1945 وطوكيو 1946
3. (م/3) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا.
4. المحطات الجنائية الدولية،المحطات التاريخية الكبرى التي ساهمت في نشوئها، 2009
5. المحكمة الجنائية الدولية هيمنة القانون أم قانون الهيمنة /دكتور /ضاري خليل محمود ، وباسيل يوسف ـ بغداد ـ 2003 .

المصدر: مجلة الحوار المتمدن

 

Comments

No Results Found


Your Comment

* Your Comment
* Captcha