السبل الممكن اتباعها لنشرة فعالية حقوق الانسان

Facebook Share

السبل الممكن اتباعها لنشرة فعالية حقوق الانسان

 

د. عبد الكريم الحسني الحجازي

هناك عدة طرق ومحاور سوف أختارُ منها ثلاثة وهي: محور التحوّل الأجتماعي، ومحور القيم والوعي الذاتي والجماعي، ومحور المحاسبة على الواجبات والأعمال. وقبل أن ندخل في الموضوع أعرض عليكم نبذة قصيرة حول تلك المحاور... يجبُ علينا تحليل كل من هذه المحاور وفقاً للمجموعات التي يتوجّه إليها، والأهداف التي يتوخاها للمتعلمين وما يرمي إلى تحقيقه من تغيير اجتماعي وجعلهُ أكثر مهنية وبخصوصية مُتميزة.

في أواخر العقدين الماضيين من القرن الماضي بدأت معاني وتعابير (تعليم حقوق الإنسان) تتسلل إلى لغة وزارات التربية، والمؤسسات التعليمية التي لا تتوخى الربح، ومنظمات حقوق الإنسان والمدرسين والى ما شابه ذلك، والوكالات التابعة لعدد من الحكومات مثل الأمم المتحدة، والوكالات الإقليمية مثل مجلس أوروبا، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ومنظمة الدول الأميركية، وجمعية بلدان جنوب شرق آسيا.

إن معنى كلمة حقوق الأنسان تعني (كل سبل التعلّم التي تؤدي إلى تطوير معرفة ومهارات وقيم حقوق الإنسان). يتناول تعليم حقوق الإنسان تقدير المتعلّم وفهمه لهذه المبادئ التي تشكل عدم مراعاتها مشكلةٌ للمجتمع الذي يعيشُ فيه.

وعلى مستوى البلدان يمكننا ملاحظة وجود مستويات مختلفة جداً لاستخدام تعليم حقوق الإنسان في معالجة تحديات شائعة في مجالي حقوق الإنسان والتنمية. ففي البلدان النامية مثلاً، غالباً ما يتم ربط تعليم حقوق الإنسان بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وحقوق المرأة، وهذا ما هو عليه الحال في الشرق الأوسط وفي آسيا وأفريقيا على وجه التقريب، وفي البلدان التي كانت تخضع سابقاً للحكم السلطوي (توتاليتاري)، يكون تعليم حقوق الإنسان مرتبطاً أغلب الأحيان بتطوير المجتمع المدني والبنى التحتية المتعلقة بسيادة حكم القانون وحماية حقوق الأفراد والأقليات، وهذا مثالٌ حي على ما كان موجوداً عليه في عراقنا الحبيب مثلاً.أما في البلدان الأقدم عهداً بالديمقراطية، فغالباً ما يتم ربط هذا الأمر بهيكلية السلطة في البلد، إنما يتم توجيهه باتجاه الإصلاح في بعض المجالات مثل مجال إصلاح القانون الجزائي، والحقوق الاقتصادية والقضايا الأخرى.

ويبدو أن تعليم حقوق الإنسان يلعب دوراً خاصاً في المجتمعات في المرحلة التي تعقب النزاعات. ومِن خلال عرضُنا لهذهِ الأمثلة يُمكنُنا التركّز والتعَّرُف على مشاكل وقضايا حقوق الإنسان على مستوى المجتمعات المختلفة. يجب أن يشمل دراسة تعليم حقوق الإنسان الجمع بين النظر إلى الداخل والنظر إلى الخارج. ويجب علينا أن نُركز على تعلّم حقوق الإنسان بالضرورة على الفرد أي بمعنى آخر إكتساب المعرفة، والقيم والمهارات التي تتعلق بتطبيق نظام قيَم حقوق الإنسان في علاقة الشخص مع أفراد عائلته ومجتمعه الذي يعيشُ فيه.هُناك بعض المهارات الإنسانية التي تؤدي إلى إدراك تحيّز الشخص ضد أفراد في مجتمعه الذي يعيشُ فيه، وتقبّل الفوارق الموجودة بين أفراد ذلك المجتمع، وتحمّل مسؤولية الدفاع عن حقوق الآخرين، والتوسط في حل النزاعات والعمل على حلّها. ومع هذا، ينبغي على العاملين في وضع وتنظيم برامج تعليم حقوق الإنسان أن يأخذوا في الحسبان المضامين الاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والاقتصادية، والبيئية في عملهم، وكذلك التأثير الذي يمكن لمثل هذا التعليم أن يحدثه في مجال التحوّل الاجتماعي.

إن معنى جملة (تعليم حقوق الإنسان)، في الواقع هو دور معقّد وصعب يلعبه في الدفاع عن حقوق الإنسان، ودعم التنمية الإنسانية وتعزيز المجتمع المدني. كي يسهم تعليم حقوق الإنسان (وفكر حقوق الإنسان) بصورة راسخة في ثقافة حقوق الإنسان في بلداننا، علينا أن نحاول فهم النماذج المتميزة لتعليم حقوق الإنسان المطبقة عملياً، وأن نوضح صلتها باستراتيجيات التغيير الاجتماعي والبيئي لها .

إنَ محور التركيز هذا هو من برامج تعليم حقوق الإنسان المطبقة حالياً في مجتمعاتنا والشعور بأن المساهمين في تعليم حقوق الإنسان ودعاة هذه الحقوق المدافعين عنها أقصد إنَ أولئك الذين يديرون حلقات التدريب، ويعدّون المواد التعليمية ويصممون البرامج، يمكن أن يفيدوا من بحث مسألة كيف يمكن لاستراتيجيات التعليم والتدريب أن تسهم في التغيير الاجتماعي والبيئي. ما يتوخاه تعليم حقوق الإنسان في نهاية المطاف هو العمل على إشاعة ثقافات حقوق الإنسان في مجتمعاتنا، وينبغي أن يجري تقييم البرامج من ناحية قدرتها على الإسهام في تحقيق هذا الهدف الشمولي على الساحة العراقية مثلاً.

 

كيف تُدافع عن تعليم حقوق الأنسان؟...

يجب أن تعمل وتسعى معظم المجتمعات إلى تجسيد مبادئ حقوق الإنسان بصورة أفضل، فإن تعليم حقوق الإنسان يعني ضمنياً تعليمياً يؤدي إلى الدعوة إلى تبني هذه الحقوق والدفاع عنها. ولكن هذه الفكرة عامة جداً. لصالح إحداث التغيير الاجتماعي، يجب أن يكون تعليم حقوق الإنسان مصمماً من الناحية الاستراتيجية لكي يبلغ ويدعم أفراداً وجماعات ممن يستطيعون العمل لتحقيق هذه الأهداف. على سبيل المثال، بالنسبة إلى جماعات معينة يتوجه إليها تعليم حقوق الإنسان، يجب أن يكون هذا التعليم متعلقاً بالمحور التالي وهو التغيير الاجتماعي:

1) إنَ رعاية وتعزيز القيادة... لتحقيق التغيير الاجتماعي، من الضروري أن تكون هناك مجموعة ملتزمة لا تملك مجرّد الرؤيا بل المعرفة السياسية أيضاً. وسيحتاج هؤلاء القادة أو المُنظمون إلى المهارات اللازمة لوضع أهداف محددة واستراتيجيات فعّالة تلائم الجو السياسي والثقافي السائد لديهم.

2) تكوين الإئتلافات والتحالفات... يمكن للتعليم أن يكون أداة لإعداد الأفراد لمسؤولياتهم القيادية. وتكوين الإئتلافات والتحالفات يساعد الناشطين في مجال حقوق الإنسان على إدراك إمكانية نجاح جهودهم المشتركة في تحقيق أهداف التغيير الاجتماعي البيئي.

3) التمكين الشخصي... يرمي هدف التمكين الشخصي في بادئ الأمر إلى مداواة مشاكل المجتمع، ومن ثم إلى تطوير ذلك المجتمع وبعد ذلك إلى تحقيق التحول الاجتماعي فيه. هذان الهدفان المترابطان المتمثلان بالتمكين الشخصي والتغيير الاجتماعي يجعلان من تعليم حقوق الإنسان أمراً فريداً لدى مقارنته بالبرامج التعليمية التقليدية الأخرى في العالم.

إنَ للتغيير الاجتماعي أُطُرا وأشكالا متنوعة ولهذا السبب فهو شديد التعقيد، ولكن اللغة التي تصف تعليم حقوق الإنسان لغة تستخدم تعابير عامةومُتداولة بين أفراد المجتمع الواحد. نعرف أن برنامجاً لتعليم حقوق الإنسان يتناول في حده الأدنى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ووثائق أخرى خاصة بحقوق الإنسان تتعلق به، وأنظمة الرقابة والمحاسبة على الأعمال. من الجدير ذكره أنه رغم كون تعليم حقوق الإنسان أصبح يتعدى مجرّد نشر المعلومات عن قانون حقوق الإنسان، فإن هذه الوسائل (وآليات الحماية المتصلة بها) لا تزال تشكل جزءاً أساسياً من أي برنامج. فمن دون الإشارة إلى هذه الآليات أو التعليمات بشأن كيفية استخدامها، يصبح من الصعب على تعليم حقوق الإنسان أن يميّز نفسه عن حقول أخرى مثل تعليم السلام أو التعليم الشامل في المجتمع. إنَ برامج تعليم حقوق الإنسان تتضمن أيضاً نهجاً تعليمياً تفاعلياً. فلغة تعليم حقوق الإنسان تتحدث عن كون هذا التعليم ينطبق على حياة الناس اليومية وعلى استخدام أساليب تعليم تجعل المتعلمين يشتركون في اكتساب مهارات التعبير عن مواقفهم كما تكسبهم مهارات لتطوير معارفهم. يعتبر هذا النهج الذي يعتمد المشاركة وبالتالي التطبيق بأنه يحفز على التعلّم ويراعي النواحي الإنسانية والبئية، وبالتالي يعتبر عملياً لأن هذا الشكل من التعليم يتصل بتغيير المواقف والتصرفات أكثر مما يتصل بالنهج الذي يكتفي بإلقاء المحاضرات.

 

محاور في طور البروز لتعليم حقوق الإنسان:

إنَ هذهِ المحاور تُمثلُ إطاراً مثالياً لفهم الممارسة الحديثة لتعليم حقوق الإنسان. تتصل مفاهيم كل محور ضمناً بمجموعات معينة يتم التوجّه إليها واستراتيجية للتغيير الاجتماعي والتنمية البشرية. وبسبب الطبيعة النظرية للمحاور المشروحة أدناه، تفتقر هذه المحاور بالضرورة إلى التفصيل والعمق. فعلى سبيل المثال، ليس هناك من تمييز بين طرق المعالجة الرسمية وغير الرسمية. ولكن كان هدفي من عرض هذه المحاور هو البدء في تصنيف أنواع ممارسات تعليم حقوق الإنسان التي يجري تطبيقها، وبحث منطق برنامجها داخلياً وتوضيح صلتها الخارجية بالتحوّل الاجتماعي البيئي. ويُمكنُنا القول إن هذه المحاور المتميّزة لتعليم حقوق الإنسان المعروضة هنا يمكن جمعها في صيغة معدّلة على شكل (هرم).

ففي القاعدة العريضة نجد (محور التحوّل الأجتماعي)، وفي الوسط (محور القيم والوعي الذاتي والأجتماعي) وفي القمة (محور المحاسبة على الواجبات والأعمال). لا يعكس وضع محاور تعليم حقوق الإنسان هذه في هذه المواقع حجم المجموعات السكانية التي يتم التوجّه إليها والتعامل معها (من توعية الرأي العام حتى إيجاد مدافعين جدد) وحسب، بل يعكس أيضاً درجة صعوبة كل من البرامج التعليمية. تهدف برامج توعية الجمهور إلى نشر البرامج، في حين يتطلّب إيجاد الناشطين وبناء القدرات التزامات أكثر صعوبة ومعاملة بالمثل من قبل جميع المعنيين. كل المستويات تعزز بعضها البعض، ولكن بعض المحاور هو بالطبع أكثر تأثيراً في نشر وتعزيز التغيير الاجتماعي... حسب وضع حركة حقوق الإنسان داخل المجتمع الذي نعيشُ فيه. يحتاج أي برنامج إصلاح اجتماعي إلى قيادة قوية تُركز جهودها على الإصلاح المؤسساتي والقانوني. ولكن التحرك يحتاج أيضاً إلى دعم على مستوى القاعدة، حيث يكون التركيز على سبل دعم الأفراد والمجتمع معاً. ولهذا فإنَ العاملين يحتاجون في تعليم حقوق الإنسان إلى أن يأخذوا في الحسبان لدى تصميم برامجهم الحاجات والفرص معاً. قد يقرر أحد هؤلاء تطبيق برنامج يستند فقط إلى قيمهُ الشخصية، وتجاربه، وموارده ومركزه الاجتماعي والبيئي. ولكن يمكن لهذا أن يأخذ في الحسبان أيضاً علاقة البرنامج الذي يعتزم تطبيقه بمحاور تعليم حقوق الإنسان الثلاثة والمذكورة هُنا، وكيف يمكن للبرنامج أن يدعم التحرك باتجاه تحقيق كامل لثقافة حقوق الإنسان في المجتمع الذي نعيشُ فيه.

محور التحوّل الأجتماعي:

إن محور التحوّل الاجتماعي تتوخى فيه برامج تعليم حقوق الإنسان تمكين الأفراد من معرفة انتهاكات حقوق الإنسان والتزام منع حصولها. في بعض الحالات يتم توجيه هذه البرامج نحو مجتمعات بكاملها...لا نحو الأفراد فحسب. يتضمن هذا النموذج أساليب (مرتكزة في جزء منها على علم النفس) تتناول التفكير بالذات والدعم ضمن المجتمع البيئي المُعاصر. ولكن التركيز الرسمي على حقوق الإنسان لا يشكّل سوى أحد عناصر هذا المحور. من الممكن أن يتضمن البرنامج الكامل أيضاً تنمية القيادات، والتدريب على حل النزاعات، والتدريب الحرفي والتخصص غير الرسمي. يفترض محور التحول الاجتماعي أن يكون قد سبق للطلاب أن مرّوا بتجارب شخصية يمكن اعتبارها انتهاكات لحقوق الإنسان (يمكن للبرنامج أن يساعد في إدراك ذلك) ولذلك يكونون مُهيَئينَ مُسبقاً لأن يصبحوا من دعاة حقوق الإنسان. وهو يعامل الأفراد بطريقة أكثر كلّية، ولذلك يكون تصميمه وتطبيقه أكثر صعوبة من تصميم وتطبيق المحورين الآخرين.

إنَ هذا المحور تتضمنه برامج تطبّق في مخيمات المُشردين من محافظاتهم أو بلدانهم الأصلية بسبب الحروب مثلاً، وفي مجتمعات خارجة من نزاعات، وفي حالات ضحايا سوء معاملة الأقرباء ولدى الجماعات التي تخدم الفقراء. هناك أمثلة عن (مجتمعات حقوق الإنسان) تقوم فيها الهيئات الحاكمة، والمجموعات المحلية والمواطنون (بتفحص المعتقدات التقليدية، والذاكرة الجماعية كما التطلعات الجماعية من حيث انطباقها على مضمون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)، مثل أولئك الذين يساندهم عقد الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الذي أعلن رسمياً أنه يبدأ عام 1995 وينتهي عام 2004. في بعض الحالات، يطبّق هذا النموذج في المدارس، حيث يمكن للدراسات المعمقة لحالات انتهاك حقوق الإنسان في العصر القديم (مثل محرقة اليهود والإبادة الجماعية)، أو العصر الحديث (مثل المقابر الجماعية والأبادة الجماعية في العراق وفي أفريقيا الكونغو وفي البوسنا والهرسك في يوغسلافيا سابقاً)، أن تشكّل عوامل مساعدة فعّالة في تناول موضوع انتهاكات حقوق الإنسان. في بعض البرامج المتقدمة، يطلب من الطلاب أن يفكّروا بطرق يمكن لهم ولغيرهم أن يكونوا فيها ضحايا لانتهاكات حقوق الإنسان وأيضاً مرتكبي مثل هذه الانتهاكات. وهكذا يتم استخدام أساليب نفسية مع الطلاب للتغلّب على عقلية (نحن) و (هم)، وزيادة الشعور بالمسؤولية الشخصية. يصبح المتخرجون من مثل هذه البرامج قادرين على معرفة حقوقهم وحقوق الآخرين الذين يلتقون وإياهُم وحماية هذه الحقوق. إذا رغبت المدارس المعنية أو القائمين بالدورات التعليمية، يمكن لبرامج تعليم حقوق الإنسان التي تُدّرس فيها أن تتناول موضوع المشاركة في اتخاذ قرارات العائلة؛ احترام الأهل، إنما رفض أعمال العنف بين أفراد العائلة، والمساواة بين الأب والأم داخل البيت؛ والأحترام المُتبادل للجار ومالهُ وما عليه من حقوق إتجاه جيرانهِ.

 

القيم والوعي الذاتي والجماعي:

إن محور القيَم والوعي الذاتي والجماعي، يكون محورا لتعليم حقوق الإنسان ونشر المعرفة الأساسية بقضايا حقوق الإنسان وتعزيز اندماجها بالقيم العامة. تكون حملات التوعية العامة والمناهج الدراسية في العادة ضمن هذا الإطار. وليس من غير المعتاد لمناهج التعليم في المدارس ودورات التثقيف البرامجي التي تتضمن حقوق الإنسان أن تكون متصلة بالقيم الجوهرية للديمقراطية البيئية وممارستها. إنَ الهدف هو تمهيد السبيل لعالم يحترم حقوق الإنسان من خلال إدراك والتزام الأهداف المعيارية التي يتضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ووثائق أخرى أساسية تتعلق بها. إن مواضيع حقوق الإنسان التي تنطبق على هذا النموذج تتضمن تاريخ حقوق الإنسان، ومعلومات عن الأدوات الأساسية لمراعاة حقوق الإنسان وآليات حمايتها، والاهتمامات الدولية التي تتعلق بحقوق الإنسان (مثل عمالة الأطفال، والإتِجار بالبشر والإبادة الجماعية).

الاستراتيجية التربوية الأساسية في هذا المحور هي المشاركة: أي اجتذاب اهتمام الشخص المراد تعليمه. إن مثل هذه الأساليب يمكن أن تكون مبتكرة جداً (مثلاً، لدى استخدام الحملات الإعلامية أو اللقاءات الشعبية) ولكنها يمكن أيضاً أن تتحوّل إلى أسلوب إلقاء المحاضرات. ولكن هذا النموذج لا يركّز على تطوير المهارات، كتلك المهارات المتعلقة بالتواصل، وحل النزاعات والعمل الناشط في سبيل تحقيق هدف ما. الاستراتيجية التي ينطوي عليها هذا النموذج هي أن الدعم الجماهيري لحقوق الإنسان سيبقى يضغط على السلطات كي تحمي حقوق الإنسان. وهذا النهج يعزز في العادة أيضاً التفكير الانتقادي والقدرة على تطبيق إطار عمل يتعلّق بحقوق الإنسان عندما يتم تحليل القضايا السياسية. وهكذا يتم جعل الطلاب المشاركين في الدورة ( مستهلكين انتقاديين ) لحقوق الإنسان. من غير الواضح ما إذا كان نهج المعرفة والإدراك يبني ( إدراكاً انتقادياً لحقوق الإنسان ) مع أن من المفترض أن يكون ذلك هدفاً لبرنامج كهذهِ. إن الإدراك الانتقادي لحقوق الإنسان قد تكون له المعايير التالية، كأنعكاسات على تربية الفرد في المجتمع ، وتُستعمل بواقع الحال كأداة تمكين للفرد وهي: قدرة الطلاب على معرفة أبعاد حقوق الإنسان لنزاع ما، وعلاقتها به:

أ ـ تعبير لإدراكهم واهتمامهم بدورهم في حماية أو تعزيز هذه الحقوق.

ب ـ تقييم انتقادي للردود المحتملة التي يمكن تقديمها.

ج ـ محاولة لتحديد أو إيجاد ردود جديدة.

د ـ تكوين رأي في صدد الخيار الأكثر ملائمة.

هـ ـ تعبير عن الثقة وإدراك للمسؤولية والتأثير في كل من القرار ومفعوله.

من الأمثلة على محور القيم والوعي الذاتي والجماعي، دروسٌ تتعلق بحقوق الإنسان ضمن مواضيع المواطنة، والتاريخ، ودروس العلوم الاجتماعية ودروسٌ بالعلوم البيئية ودروس تتعلق بالقانون في المدارس والجامعات والدورات، وإلحاق مواضيع تتعلق بحقوق الإنسان ببرامج رسمية وغير رسمية تتناول الشباب ( مثل الفنون، وعيد حقوق الإنسان، ونوادي المناظرات ). كما أن حملات التوعية العامة التي تتناول الفنون العامة والإعلانات، والتغطية الأخبارية التي تقوم بها وسائل الإعلام، والمناسبات التي تحتفل بها المجتمعات يمكن أيضاً أن تصنّف ضمن هذا المحور.

 

المُحاسبة على الواجبات والأعمال :

من خلال هذا المحور، من المتوقع للمشاركين أن يكونوا مرتبطين بصورة مباشرة أو غير مباشرة بضمان حقوق الإنسان من خلال أدوارهم المهنية. في هذه المجموعة، يركز تعليم حقوق الإنسان على السبل التي تتناول فيها المسؤوليات المهنية إما المراقبة المباشرة لانتهاكات حقوق الإنسان أو العمل لدى السلطات الضرورية من أجل احترامها أو بذل الجهود اللازمة لحماية حقوق الناس ( خاصة تلك الفئات الأكثر تعرضاً لانتهاك حقوقها ) ممن يتحملون بعض المسؤولية عنهم.

من خلال هذا المحور، ما تفترضه كل البرامج التعليمية هو أن المشاركين سيكونون معنيين مباشرة بحماية حقوق الأفراد والجماعات. ولذلك فإن خطر انتهاك الحقوق يعتبر ملازماً لعمل هؤلاء. بالنسبة إلى دعاة حقوق الإنسان والمدافعين عنها، يكمن التحدي في فهم قانون حقوق الإنسان، وآليات حماية هذه الحقوق، والمهارات اللازمة للدفاع عنها والعمل في سبيل تعزيزها.

من الأمثلة على البرامج التي تصنف في فئة محور المحاسبة على الواجبات و الأعمال هناك برامج تدريب الناشطين في مجال حقوق الإنسان والناشطين في المجتمع المدني على أساليب مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان وتوثيقها وإجراءات التقدم بالشكاوى لدى الهيئات المحلية و الوطنية والدولية المختصة. يشمل هذا التصنيف أيضاً التدريب ما قبل العمل وخلاله للمحامين، ومسؤولي النيابة العامة، والقضاة، وأفراد الشرطة وعناصر القوات المسلحة، ويجب أن يتضمن هذا التدريب معلومات متعلقة بهذا الأمر في القانون الدستوري والقانون الدولي، وقواعد السلوك المهنية، وآليات رقابة وتقديم الشكاوى، وعواقب مخالفتها. تكون عادة المجموعات المهنية، مثل العاملين في مجال الصحة والخدمات الاجتماعية، والبيئيين، والصحافيين، والقانونيين والعاملين في وسائل الإعلام، من المشاركين في برامج تعليم حقوق الإنسان التي ترمي إلى المحاسبة على الأعمال.

من خلال محور المحاسبة هذا، يعتبر تغيير الذات هدفاً صريحاً إذ إن المحور يفترض أن المسؤولية المهنية تكفي بالنسبة إلى الشخص الذي لديه اهتمام بتطبيق إطار عمل يتعلق بحقوق الإنسان. وهذا المحور يهدف إلى إرساء أعراف وممارسات تتعلق بحقوق الإنسان تكون مستندة إلى هيكليات راسخة ومضمونة قانوناً. من المُسَلّم به في هذا المحور أن التغيير الاجتماعي ضروري، وأن بالإمكان تحديد أهداف وطنية ومنطقية للإصلاح أساسها المجتمع البيئي ومنها أيضاً:

1) علينا مواجهة تحدي أن نصبح أكثر تماسكاً وانسجاما معها في نطاق تنوع محاورنا. وأن نتمكن من تكرار ما نفعله كي يصبح تعليم حقوق الإنسان أكثر تميّزا كحقل،.

2) إننا في حاجة لأن نعرف أي البرامج نجحت، ولماذا. وإذا كانت للمحاور التي عُرضت هُنا أي مصداقية، فيمكن اختبارها وتوضيحها من خلال تقييم البرامج مثل هذه الأبحاث لا تؤدي إلى تحسين نوعية وضع البرامج التعليمية وحسب، بل تساعد أيضاً في إثبات صحة ما لا يزال اليوم حدساً لناحية أهمية التعليم في حقل حقوق الإنسان.

3) يمكن لتعليم حقوق الإنسان أن يتطور ليصبح حقلاً تربوياً كاملاً في كل من مجال حقوق الإنسان والمجال التربوي العام. لعل بإمكاننا الاتفاق على أننا نريد أن تكون كل المحاور الثلاثة ممثلة في كل من مجتمعاتنا، إذ إنها تُكمل بعضها البعض في دعم بنية تحتية نابضة بالحياة لحقوق الإنسان البيئي والعام.

4) إننا نحتاج إلى أمثلة مفصّلة ضمن حقل تعليم حقوق الإنسان من شأنها إظهار الاستخدام الحريص للنظرية التعليمية المناسبة لمضمون البرنامج. مثلاً، يجب أن تكون برامج تعليم البالغين تحتوي على تصاميم ( لا مجرد دورات تدريبية ) كما ينبغي أن تكون البرامج التي تطبّق في المدارس ملائمة من ناحية عمر الطلاب المعنيين ومدى تطور شخصياتهم. كما ينبغي للبرامج المخصصة لمجموعات لديها احتياجات خاصة، مثل النازحين أو ضحايا سوء المعاملة أو الذين فقدو ذويهم ظُلماً وأصبحوا أيتام، أن تعكس الحساسيات الضرورية.

5) ً، ليس هناك بعد أي معيار واضح لما يمكن أن يعتبر مدرباً مؤهلاً في مجال تعليم حقوق الإنسان. في الوقت الراهن، يمكن لأعمال التدريب ومعايير المناهج أن تحسّن أوضاع تعليم حقوق الإنسان كحقل له اعتباره، كما يمكن لها أن تطلق نقاشاً مفيداً لجهة أهداف المتعلّم والجهود الرامية إلى تحقيق تغيير استراتيجي.

6) إننا نمر في مرحلة مثيرة لجهة ازدياد وعي الناس لحقوق الإنسان واهتمامهم بها. علينا أن لا نضيع الفرصة المتاحة لنا للمساعدة في جعل تعليم حقوق الإنسان وخاصةً البيئوي منها نهجاً بالغ الأهمية لدراسة أوضاع مجتمعاتنا وبنائها.

تعليقات

لا يوجد نتائج مطابقة


تعليقك هنا

* تعليقك
* كود التحقق
 
 

عدد الزوار

2016409

تصويت

ما مدى جودة الخدمات المقدمة من الموقع؟‏
ممتاز
 
 
جيد
 
 
ضعيف
 
 

القائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية ليصلك آخر أخبار الموقع


اتبعنا